المرشد القانوني طريقك للحفاظ علي جميع حقوقك القانونية مرحبًا بكم في "المرشد القانوني"، وجهتكم الأولى لاستكشاف عالم القانون بكل تفاصيله. تهدف هذه المدونة إلى تقديم معلومات قانونية موثوقة وشاملة، تساعد الأفراد والمحامين والطلاب على فهم القوانين والتشريعات بطريقة مبسطة وفعّالة.

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية غير مصنف تحريك الدعوى الجنائية امام المحكمة الجنائية الدولية

تحريك الدعوى الجنائية امام المحكمة الجنائية الدولية

حجم الخط

 *إستعراض عام لمتطلبات تحريك السودان للدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ودعوى التعويض أمام محكمة العدل الدولية (  (ICJ   في مواجهة الدول الداعمة للتمرد والحرب في السودان*




إعداد: السفير (م) سراج الدين حامد يوسف

المحامي وموثق العقود بالخرطوم

تحريك الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية: 

تحريك الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي يتطلب استيفاء مجموعة من الشروط المحددة بموجب نظام روما الأساسي، وهو الوثيقة التأسيسية للمحكمة وهذه الشروط تشمل:


1. الاختصاص الشخصي (Personal Jurisdiction) 

المحكمة تختص بمحاكمة الأفراد، وليس الدول، المسؤولين عن الجرائم الدولية الخطيرة مثل: الإبادة الجماعية ، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب وجريمة العدوان وفق الشروط المحددة


2. الاختصاص الزمني  (Temporal Jurisdiction)  

المحكمة تختص فقط بالجرائم التي ارتُكبت بعد دخول نظام روما الأساسي حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، وإذا انضمت دولة ما لاحقًا للنظام الأساسي، فإن الاختصاص يقتصر على الجرائم التي ارتُكبت بعد انضمامها.


3. الاختصاص الإقليمي   (Territorial Jurisdiction)

الجرائم يجب أن تكون قد ارتُكبت في أراضي دولة عضو في نظام روما الأساسي أو على يد مواطن لدولة عضو، أو إذا قبلت دولة غير عضو اختصاص المحكمة في حالة محددة.


4. عدم وجود محاكمات وطنية فعّالة  (Complementarity Principle)

المحكمة تعمل كمكمل للأنظمة القضائية الوطنية ولا يتم تحريك الدعوى إلا إذا كانت الدول المعنية غير قادرة على إجراء المحاكمة، أو غير راغبة في ملاحقة الجناة بجدية (مثل وجود فساد أو تواطؤ).


5. إحالة القضية للمحكمة   (Triggering Mechanisms)

الدعوى تُحرك أمام المحكمة الجنائية الدولية بواحدة من الطرق التالية: إحالة من دولة عضو في نظام روما الأساسي، أو إحالة من مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (حالة السودان مثلاً)، أو مبادرة من المدعي العام للمحكمة (بموافقة الدائرة التمهيدية) بناءً على معلومات موثوقة.


6. خطورة الجرائم  (Gravity of the Crimes)

الجرائم يجب أن تكون بالغة الخطورة وتمس المجتمع الدولي بأسره، مثل الجرائم واسعة النطاق أو الممنهجة.

7. قبول الدعوى أمام المحكمة

يجب على الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية أن تقرر قبول الدعوى استنادًا إلى الشروط أعلاه، وكذلك ضمان أنها لا تخالف مبدأ العدالة والجدير بالذكر هنا أنه في حالات الإفلات من العقاب تتدخل  المحكمة حين تفشل العدالة الوطنية في معاقبة الجناة.


من له حق تحريك الدعوى الجنائية أمام الجنائية الدولية؟

حق تحريك الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) يخضع للآليات المنصوص عليها في نظام روما الأساسي والأطراف التي يمكنها تحريك الدعوى هي:


1. الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، (وعددها الآن 123 دولة) يمكنها إحالة قضية إلى المدعي العام إذا اعتقدت بوقوع جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وتكون الإحالة بشأن الجرائم المرتكبة: على أراضي الدولة الطرف، أو من قبل مواطني الدولة الطرف.


2. مجلس الأمن الدولي، ب يمكنه موجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إحالة قضية إلى المحكمة حتى لو كانت الجريمة قد ارتكبت في دولة غير طرف في نظام روما الأساسي (حالة السودان) أو كانت الدولة المتهمة أو الفاعلة ليست عضوة في المحكمة، وهذا ما يعتقد أنه يعكس الدور الأساسي لمجلس الأمن في حماية الأمن والسلم الدوليين.


3. المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، يمكنه مباشرة التحقيق من تلقاء نفسه (بمبادرة شخصية) إذا حصل على معلومات موثوقة حول وقوع جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، غير أنه يشترط موافقة الدائرة التمهيدية (Pre-Trial Chamber) قبل بدء التحقيق، وهذا الإجراء يتطلب وجود أدلة قوية تدعم التحقيق.


4. دولة غير طرف تقبل الاختصاص

دولة ليست عضوًا في نظام روما الأساسي يمكنها قبول اختصاص المحكمة بشأن جريمة معينة عبر تقديم إعلان رسمي بذلك إلى المحكمة.


5. أمثلة على حالات إحالة القضايا:

إحالة من دولة طرف: مثل أوغندا التي أحالت قضية جيش الرب للمقاومة (LRA) إلى المحكمة.

إحالة من مجلس الأمن: مثل الحالة الليبية (2011) والسودانية (قضية دارفور).

مبادرة من المدعي العام: مثل التحقيقات في الجرائم في كينيا (أحداث 2007-2008).


حول مدى إمكانية تحريك دعوى جنائية ضد الدول ومسئولي الدول الداعمة للتمرد :

في حالة الحرب الجارية في السودان وقيام عدد من الدول الاقليمية، وفقاً لشواهد عديدة بدعم وتسليح مليشيا الدعم السريع المتمردة التي ثبت أنها إرتكبت جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الانسانية، فإن إمكانية تحريك دعى جنائية ناجحة أمام المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة تلك الدول الداعمة للتمرد ومسئوليها، من مدخل جرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي وقعت في السودان، يتطلب إستيفاء عدد من الشروط، مع مراعاة الإطار القانوني والقيود العملية، وفق التحليل التالي: 


*1. إمكانية اختصاص المحكمة الجنائية الدولية*

لتحريك دعوى ناجحة، يجب توافر أحد الأسس التالية للاختصاص:

اختصاص إقليمي:

إذا ارتُكبت الجرائم على أراضي دولة عضو في نظام روما الأساسي، يمكن للمحكمة ملاحقة المسؤولين عن الجرائم، حتى لو كانوا من دولة غير عضو. وأما إذا كانت الدولة الداعمة ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، فإن المحكمة لا يمكنها مباشرة الاختصاص إلا إذا: وافقت الدولة الداعمة على اختصاص المحكمة أو أحال مجلس الأمن القضية إلى المحكمة.


اختصاص شخصي:

إذا كان رئيس الدولة الداعمة يحمل جنسية دولة عضو في نظام روما الأساسي.


إحالة مجلس الأمن:

مجلس الأمن يمكن أن يحيل القضية حتى لو كانت الدولة الداعمة ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، وهو ما حدث في قضيتي السودان وليبيا.


*2. التكييف القانوني لدور الدولة الداعمة*

لتوجيه الاتهام لرئيس الدولة الداعمة، يجب إثبات المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن الجرائم المرتكبة:، مثلاً هل قدمت الدولة الداعمة دعمًا ماديًا (تسليح، تمويل) مع علم بأن هذه المليشيات سترتكب جرائم إبادة جماعية؟ وهل كان الدعم يشكل جزءًا ضروريًا أو حاسمًا في ارتكاب الجرائم؟. ويمكن أن يُعتبر رئيس الدولة الداعمة مسؤولًا عن التحريض أو المساعدة والتحريض على الجرائم الدولية إذا كان دعمه متعمدًا ويهدف إلى تعزيز ارتكاب الجرائم. بيد أنه فيما يتعلق بجريمة  العدوان، إذا كان تسليح المليشيات يُصنف كعمل عدواني ضد الدولة الأخرى، فإن المحكمة يمكن أن تحقق في هذا الأمر، ولكن وفق القيود الخاصة بجريمة العدوان في نظام روما الأساسي. (أنظر الملحق رقم (1) المرفق بهذه المذكرة).


*3. حصانة رئيس الدولة*

بموجب القانون الدولي العرفي، يتمتع رؤساء الدول بحصانة أمام المحاكم الوطنية الأجنبية، لكن المحكمة الجنائية الدولية لا تعترف بهذه الحصانة (المادة 27 من نظام روما الأساسي)  مثال: توجيه تهم للرئيس السوداني السابق عمر البشير رغم كونه رئيسًا للدولة وقتها.


*4. دور مجلس الأمن الدولي*

إذا كانت الدولة الداعمة ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، يُعتبر إحالة القضية من قبل مجلس الأمن ضروريًا. ومع ذلك، قد تواجه هذه الإحالة عراقيل سياسية إذا كانت الدولة الداعمة تحظى بدعم دول دائمة العضوية في المجلس (مثل حق النقض "الفيتو").


*5. صعوبات عملية:*

إثبات النية والمسؤولية: يجب إثبات أن رئيس الدولة الداعمة كان على علم بأن الدعم سيُستخدم لارتكاب الجرائم، وأنه كان له دور حاسم في تنفيذها.


تحديات سياسية: حتى لو كانت القضية قانونيًا قوية، قد تواجه تحديات دبلوماسية وسياسية تؤثر على تنفيذ قرارات المحكمة.


والخلاصة هي أنه يمكن من الناحية النظرية تحريك دعوى جنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد رؤساء الدول الداعمة للتمرد في السودان إذا توفرت أدلة كافية على مسؤوليتهم عن الجرائم (سواء بالمشاركة المباشرة أو غير المباشرة). ومع ذلك، يعتمد النجاح على الاختصاص، التكييف القانوني، ودعم المجتمع الدولي، مع مراعاة التحديات السياسية والدبلوماسية.


*6. هل يمكن تصنيف تصرفات الدولة الداعمة للتمرد بأنها جريمة عدوان تحت القانون الدولي؟*

يعتمد تصنيف تصرفات الدولة الداعمة بأنها جريمة عدوان بموجب القانون الدولي على عدة عوامل، وفقًا لما ورد في نظام روما الأساسي والقانون الدولي العرفي وبيان ذلك كالآتي:


*1. ما هي جريمة العدوان؟*

وفقًا للمادة 8 مكرر من نظام روما الأساسي، تُعرّف جريمة العدوان بأنها:

"تخطيط أو بدء أو تنفيذ عمل عدواني يمثل خرقًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة". والعمل العدواني يشمل استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة أو وحدة أراضي أو استقلال دولة أخرى. ومن أمثلة الأعمال العدوانية: غزو أو احتلال أراضي دولة أخرى بالقوة،  اوقصف أراضي دولة أخرى، او تسليح ميليشيات أو جماعات متمردة لشن أعمال عدائية. و يمكن أن يُعتبر تسليح الميليشيات جريمة عدوان أو يمكن تصنيفه كعمل عدواني إذا استوفى شروطًا معينة مثل:


استخدام القوة عبر وكلاء  (Proxy)  

حيث قد يُعتبر دعم الميليشيات لشن هجمات على دولة أخرى "استخدامًا غير مباشر للقوة المسلحة".


نطاق وشدة الفعل:

يجب أن يكون الدعم واسع النطاق وموجهًا بشكل واضح لتقويض سيادة الدولة المستهدفة.


وجود نية عدوانية:

يجب إثبات أن الدولة الداعمة كانت تهدف إلى الإضرار بالدولة الأخرى، وليس فقط توفير دعم سياسي أو إنساني. ومن الامثلة التاريخية المعروفة في هذا الجانب دعم الولايات المتحدة للمعارضة المسلحة في نيكاراغوا عام 1986 (قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية) حيث اعتُبر ذلك الدعم عملًا غير قانوني، لكنه لم يُصنف رسميًا كجريمة عدوان.


*2. شروط تصنيف الجريمة كجريمة عدوان:*

تصرف الدولة بشكل رسمي: جريمة العدوان تُنسب إلى "الدولة" عبر قادتها أو المسؤولين الكبار (مثل رئيس الدولة أو الحكومة).

انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة: لا بد أن يمثل التصرف خرقًا خطيرًا لمبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

قرار مسبق من مجلس الأمن: بموجب نظام روما الأساسي، يجب أن يحدد مجلس الأمن أن التصرف يشكل عملًا عدوانيًا قبل أن تبدأ المحكمة الجنائية الدولية تحقيقها (إلا إذا تعذر ذلك لأسباب سياسية).


*العوائق القانونية والعملية:*

التفريق بين الدعم والعمل العدواني: فليس كل دعم يُعتبر عملًا عدوانيًا؛ ويجب إثبات أن التسليح أو الدعم كان يشكل جزءًا لا يتجزأ من القوة المسلحة المستخدمة ضد الدولة الأخرى.

تعقيدات مجلس الأمن: إذا كانت الدولة الداعمة قوية سياسيًا (مثلاً عضو دائم في مجلس الأمن)، فقد يتم منع التصنيف بسبب استخدام حق النقض (الفيتو). والخلاصة هي أنه يمكن تصنيف تصرفات الدولة الداعمة للتمرد في السودان كجريمة عدوان إذا استوفت المعايير التالية:

- إذا كان الدعم العسكري للمليشيات يهدف بشكل واضح إلى استخدام القوة ضد سيادة الدولة الأخرى.

- إذا تم تنفيذ هذا الدعم كجزء من خطة عدوانية واسعة.

- إذا تم إثبات أن هذه التصرفات تمثل خرقًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة.

ومع ذلك، التطبيق العملي لهذا التصنيف يواجه تحديات قانونية وسياسية كبيرة، وخاصة إذا كانت الدولة الداعمة ذات نفوذ دولي قوي.


هل يمكن تأسيس دعوى تعويض ناجحة ضد الدولة الداعمة للتمرد

أمام محكمة العدل الدولية (وليس الجنائية) بسبب دعمها للمليشيا المتمردة المشار إليها؟

من الممكن تأسيس دعوى تعويض ناجحة ضد الدولة الداعمة  للتمرد أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)بشرط استيفاء شروط معينة. فدعوى التعويض أمام محكمة العدل الدولية تختلف عن الإجراءات أمام المحكمة الجنائية الدولية  (ICC)، حيث أنها تركز على مسؤولية الدولة بموجب القانون الدولي، وليس المسؤولية الجنائية للأفراد.


أساس الدعوى أمام محكمة العدل الدولية

تأسيس دعوى تعويض يتطلب إثبات مسؤولية الدولة الداعمة عن انتهاك قواعد القانون الدولي العام والأسس الممكنة تشمل:


أ.  إنتهاك مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول

دعم الميليشيا المتمردة يمثل انتهاكًا لمبدأ عدم التدخل المنصوص عليه في القانون الدولي العرفي وميثاق الأمم المتحدة. ففي قضية "نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة" (1986)، قضت محكمة العدل الدولية بأن دعم وتسليح المتمردين يمثل انتهاكًا لسيادة الدولة.


ب. انتهاك حظر استخدام القوة المسلحة

المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة تحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى. إذا كان الدعم العسكري للمتمردين يشكل "استخدامًا غير مباشر للقوة"، يمكن اعتبار ذلك خرقًا لهذه المادة.


ج. انتهاك التزامات محددة بموجب اتفاقيات دولية

إذا كانت الدولتان (الداعمة والمستهدفة) طرفين في معاهدة أو اتفاقية ذات صلة (مثل اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية)، يمكن تأسيس الدعوى على انتهاك تلك الالتزامات.


*شروط تحريك الدعوى:*

أ.  الإختصاص القضائي لمحكمة العدل الدولية

يجب أن تكون الدولة الداعمة والدولة المتضررة قد قبلتا اختصاص المحكمة، إما: من خلال إعلان مشترك بموجب المادة 36(2) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، أو بناءً على وجود معاهدة تمنح الاختصاص لمحكمة العدل الدولية (مثل ميثاق الأمم المتحدة أو اتفاقية منع الإبادة الجماعية).


ب.  إثبات العلاقة السببية

يجب إثبات أن دعم الدولة الداعمة للمليشيا كان عاملاً رئيسيًا في ارتكاب الجرائم وتسبب في أضرار واضحة للدولة المتضررة (مثل الأضرار البشرية، الاقتصادية، أو البيئية).


ج.  إثبات النية أو العلم

يجب إثبات أن الدولة الداعمة كانت تعلم أو كان ينبغي أن تعلم أن دعمها سيُستخدم لارتكاب الجرائم.


*المطالبات بالتعويض:*

الدولة المتضررة يمكنها المطالبة بـتعويض مالي لتغطية الأضرار المادية (البنية التحتية، الموارد) والأضرار غير المادية (المعاناة الإنسانية)، وإصلاح الوضع بوقف الدعم المقدم للمليشيا، والحصول على ضمانات عدم التكرار، والتحديات المحتملة في هذا الخصوص تشمل:


أ.  إثبات العلاقة السببية المباشرة

يجب إثبات أن دعم الدولة الداعمة كان ضروريًا أو حاسمًا في ارتكاب الجرائم. وإذا ادعت الدولة الداعمة أن تصرفاتها كانت قانونية أو موجهة لأغراض أخرى (مثل المساعدات الإنسانية)، قد يصبح إثبات النية معقدًا.


ب.  الاختصاص القضائي

إذا رفضت الدولة الداعمة قبول اختصاص محكمة العدل الدولية، لن تنظر المحكمة في القضية إلا إذا كانت هناك معاهدة تُلزمها بذلك.


ج.  التعقيدات السياسية

حتى مع حكم محكمة العدل الدولية لصالح الدولة المتضررة، تنفيذ الأحكام قد يواجه عراقيل سياسية.


*26. سوابق قضائية ذات صلة:*

قضية "نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة" (1986):

نيكاراغوا رفعت دعوى ضد الولايات المتحدة بسبب دعمها لجماعات متمردة.

حكمت محكمة العدل الدولية لصالح نيكاراغوا واعتبرت أن الدعم يمثل انتهاكًا للقانون الدولي.

قضية "جمهورية الكونغو الديمقراطية ضد أوغندا" (2005):

الكونغو رفعت دعوى ضد أوغندا بسبب دعمها لجماعات مسلحة واحتلالها أراضٍ كونغولية.

حكمت المحكمة لصالح الكونغو وأمرت أوغندا بدفع تعويضات.


وخلاصة الأمر بناء على ما سبق، هو أنه يمكن تأسيس دعوى تعويض ناجحة أمام محكمة العدل الدولية إذا ثبت أن الدولة الداعمة انتهكت قواعد القانون الدولي، وقُبل اختصاص المحكمة، وتوافرت أدلة واضحة على العلاقة السببية بين دعم الدولة الداعمة والأضرار التي لحقت بالدولة المتضررة ومع كل ذلك، فإن تحقيق النجاح يتطلب فريقًا قانونيًا قويًا لتقديم الأدلة والدفوع اللازمة. إذن السؤال المهم في هذا الخصوص هو:

ما هي متطلبات إثبات أن الدولة الداعمة قد إنتهكت القانون الدولي؟ هل يتضمن ذلك مثلاً قرار من مجلس الامن الدولي؟


إثبات أن الدولة الداعمة قد انتهكت القانون الدولي لا يتطلب بالضرورة صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، لكنه يعتمد على استيفاء شروط قانونية محددة تُثبت مسؤولية الدولة المتهمة وفقًا لمبادئ القانون الدولي. وفيما يلي توضيح لمتطلبات الإثبات وأدوار مختلف الأطراف الدولية:


*1) متطلبات إثبات الانتهاك:*


أ.  وجود تصرف أو تقصير من الدولة الداعمة

التصرف: دعم مباشر للمليشيات (مثل التسليح، التمويل، أو التدريب).

التقصير: السماح باستخدام أراضيها لشن الهجمات أو عدم منع الفاعلين الخاضعين لسيادتها من ارتكاب الجرائم.


ب. انتهاك التزام قانوني دولي

يجب أن يثبت أن الدولة الداعمة انتهكت قاعدة ملزمة من قواعد القانون الدولي، مثل:

مبدأ عدم استخدام القوة (المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة).

مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

التزامات محددة بموجب معاهدات دولية (مثل اتفاقية منع الإبادة الجماعية).


ج. إثبات العلاقة السببية بين تصرف الدولة والأضرار

يجب أن يظهر أن تصرف الدولة الداعمة كان له تأثير مباشر أو جوهري على ارتكاب المليشيا للجرائم وتسبب في الأضرار المادية أو المعنوية للدولة المتضررة.


د.  العلم أو النية

إثبات أن الدولة كانت على علم أو كان ينبغي أن تعلم أن دعمها سيؤدي إلى ارتكاب أفعال غير قانونية.

مثال: إذا كانت الدولة تُزوّد المليشيا بالسلاح مع علمها بارتكابها جرائم إبادة أو انتهاكات جسيمة.


*2) أدلة الإثبات*

لإثبات الانتهاك، يجب تقديم أدلة قوية، مثل الأدلة الوثائقية وتشمل تقارير الاستخبارات، العقود، أو المستندات التي تُثبت تقديم الدعم.، ولتقارير الدولية وتشمل تقارير لجان التحقيق الدولية أو تقارير الأمم المتحدة.، وشهادات الشهود وتصريحات أفراد شاركوا في الجرائم أو كانوا جزءًا من العمليات.


*الأدلة التقنية:*

تتبع مصادر التمويل أو الأسلحة المستخدمة.


إن صدور قرار من مجلس الأمن ليس شرطًا قانونيًا للإثبات فمجلس الأمن ليس جهة قضائية؛ ودوره سياسي يقتصر على حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويمكن إثبات الانتهاك أمام محكمة العدل الدولية أو أي هيئة قضائية دولية دون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن. ولكن، إذا أصدر مجلس الأمن قرارًا يُدين تصرف الدولة الداعمة أو يُثبت انتهاكها لميثاق الأمم المتحدة، فيُمكن استخدام ذلك كدليل قوي أمام المحاكم الدولية، مثال قرارات مجلس الأمن التي أدانت أفعالًا عدوانية معينة (مثل قراراته ضد العراق في غزو الكويت). كذلك إن 

غياب قرار من مجلس الأمن لا يمنع إثبات الانتهاك إذا توفرت الأدلة الكافية أمام محكمة العدل الدولية أو الهيئات الأخرى. وحتى في غياب قرارات أممية، يمكن الاستناد إلى القانون الدولي العرفي لإثبات الانتهاك:

مثل مبدأ السيادة وعدم التدخل وحظر استخدام القوة وقواعد المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة.

ومن الامثلة العملية لما أوردناه أعلاه: قضية "نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة" (1986):، حيث لم يُصدر مجلس الأمن قرارًا بشأن دعم الولايات المتحدة للكونترا، لكن محكمة العدل الدولية حكمت ضد الولايات المتحدة استنادًا إلى أدلة مستقلة.وأيضاً قضية "الكونغو ضد أوغندا" (2005):، حيث لم تعتمد محكمة العدل الدولية على قرار مجلس الأمن لكنها استندت إلى تقارير أممية وأدلة ميدانية لإثبات الانتهاك.


ونخلص من كل ذلك أن قرار مجلس الأمن الدولي ليس شرطًا لإثبات الانتهاك ويمكن تأسيس دعوى قانونية ناجحة إذا توفرت أدلة كافية على أن تصرف الدولة الداعمة يمثل خرقًا للقانون الدولي، سواء كان ذلك من خلال معاهدات دولية أو قواعد عرفية، ومع ذلك، فقد يُستخدم قرار مجلس الأمن كأداة إضافية لتعزيز القضية إذا كان متوفرًا.


الملحق رقم (1)

ماهي القيود الخاصة بجريمة العدوان في نظام روما الأساسي؟

جريمة العدوان هي واحدة من الجرائم الدولية الأربع التي يختص بها المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. ومع ذلك، فإن نظام روما الأساسي يفرض قيودًا خاصة على جريمة العدوان لتحديدها وملاحقتها. تعريف جريمة العدوان حسبما ورد بالمادة 8 مكرر من نظام روما الأساسي هو: "تخطيط أو إعداد أو بدء أو تنفيذ من قبل شخص في موقع يمكنه ممارسة السيطرة الفعالة على عمل سياسي أو عسكري للدولة، لعمل عدواني يشكل انتهاكًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة".


أما القيود الخاصة بجريمة العدوان في نظام روما الأساسي فتتمثل في (6) قيود بيانها كالأتي:


أ. القيود المتعلقة بتعريف الجريمة

تعريف جريمة العدوان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بـ ميثاق الأمم المتحدة، مما يعني أن العمل العدواني يجب أن يمثل: استخداماً للقوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة أو وحدة أراضي أو استقلال دولة أخرى، وخرقًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة. ومن أمثلة الأعمال العدوانية (وفقًا للتعريف): الغزو، الاحتلال العسكري، القصف، الحصار البحري.


ب.  القيود على الأشخاص المسؤولين

وتقتصر المسؤولية الجنائية على الأفراد الذين يتمتعون بـ سلطة اتخاذ القرارات السياسية أو العسكرية العليا.، ويمارسون السيطرة الفعلية على الدولة (مثل رؤساء الدول أو الحكومات، أو القادة العسكريين رفيعي المستوى).


ج. القيود على نطاق اختصاص المحكمة

أن الأعمال العدوانية بين الدول فقط فلا يمكن محاكمة الأفراد على أفعال عدوانية إذا لم تكن ناتجة عن تصرفات دولة، وأن جريمة العدوان لا تشمل تصرفات الجماعات المسلحة غير الحكومية، إلا إذا كانت مرتبطة مباشرة بتصرفات دولة.


د. الاختصاص على جريمة العدوان (المادة 15 مكرر)

إن اختصاص المحكمة مشروط بقبول الدول حيث يمكن للمحكمة التحقيق في جريمة العدوان فقط إذا كانت الدولة المرتكبة طرفًا في نظام روما الأساسي وقبلت الدولة اختصاص المحكمة على جريمة العدوان ولذك فإن الدول التي لم تقبل اختصاص المحكمة بشأن العدوان لا يمكن ملاحقتها، إلا إذا أحال مجلس الأمن قضية إلى المحكمة، فيمكنها ملاحقة الجريمة بغض النظر عن قبول الدولة المرتكبة.


هـ. تحدد (المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة) أن مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة المخولة بتحديد "وجود عمل عدواني"، حيث يتطلب نظام روما الأساسي أن يسبق تحقيق المحكمة في جريمة العدوان قرارٌ من مجلس الأمن يحدد أن الفعل يُعتبر "عملًا عدوانيًا". وإذا لم يتخذ مجلس الأمن قرارًا (بسبب الفيتو مثلًا)، يمكن للمدعي العام للمحكمة أن يُباشر التحقيق بعد الحصول على موافقة مسبقة من هيئة قضائية مكونة من القضاة.


*و. القيود الزمنية والسياسية وتشمل:*


- *النفاذ التدريجي لاختصاص جريمة العدوان:*

دخل اختصاص المحكمة على جريمة العدوان حيز التنفيذ فقط في 17  يوليو 2018، بعد التصديق على تعديل كمبالا لعام 2010، وعليه فإن الجرائم التي ارتُكبت قبل هذا التاريخ لا يمكن ملاحقتها.


- *القيود السياسية:*

تطبيق جريمة العدوان قد يُعرقل بسبب التوترات السياسية بين الدول، خاصة إذا كانت الدولة المرتكبة تحظى بدعم من دول دائمة العضوية في مجلس الأمن.


وعموماً فإن جريمة العدوان في نظام روما الأساسي تخضع لقيود صارمة تشمل تعريف واضح ومحدد يعتمد على ميثاق الأمم المتحدة، وحصر المسؤولية الجنائية في الأشخاص ذوي السلطة العليا بالدولة، واشتراط قبول الدولة لاختصاص المحكمة إلا في حال إحالة مجلس الأمن، وارتباط الإجراءات بمجلس الأمن الذي قد يعطل أو يعرقل الملاحقة. وهذه القيود تعكس التوازن بين ضمان العدالة الدولية واحترام السيادة الوطنية، لكنها أيضًا قد تحد من فعالية المحكمة في ملاحقة مرتكبي جريمة العدوان.




ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق